الجريمة البشعة والأليفة أمنة زيـدان ليصانص في الحضارة والإعلام المعهد العالي...

عقارب الساعة تشير إلى السابعة والنصف صباحا، ووردة الورود تستعد في أبهى حلتها للذهاب إلى يوم دراسي جديد في مدرستها القريبة من منزلهم، إنه يوم جديد من المعرفة بإشراف كل من "سيدتي وموسييه" إنه يوم جديد من اللهو والتسلية رفقة الزميلات ثم العودة إلى المنزل وإلى أحضان الوالدين واللعب مع الاخوة الصغار،ثم المراجعة،..هذا برنامج وردة الورود في كل يوم دراسي.

الساعة الآن تشير إلى العاشرة، إنه التوقيت المحبب لدى تلاميذ المدرسة، وقت الفسحة والترفيه وتناول وجبة الفطور وأشياء أخرى..وبعد نصف ساعة يعود الجميع إلى فصولهم، لكن وردة الورود لم تعد لا وجود لها في القسم ولا في ساحة المدرسة ولا على جنبات الطريق...نسيمها الفواح يقود إلى مساحة جغرافية كبيرة ونائية للمنطقة الحرة بمدينة نواذيبو، بداخلها حجرة صغيرة مؤثثة تأثيثا بسيطا يوحي بعدم استقرار ساكنها، تعود الحجرة الصغيرة لسبعيني متقاعد يعمل حارسا لتلك المساحة الكبيرة.

نأى بنفسه ليتعلم كيف يكون وحش أطفال مرعب، وبلا رحمة وبكل وحشية ساق وردة الورود إلى حجرته وتحت التهديد والوعيد اغتصبها...

ظاهرة الاغتصاب

..الجريمة المتجاهلة من قبل المجتمع والقانون، رغم أنها الحدث الأبرز في الشارع الموريتاني،استفحلت هذه الظاهرة في المجتمع وانتشرت انتشارا واسعا ومخيفا، فما هي الأسباب والمعوقات التي تحول دون القضاء عليها وسحق وجودها من الذاكرة الجمعوية والأنثوية بالخصوص؟؟

لا يكاد يمر يوم حتى نسمع بجريمة اعتداء جنسي على إحدى النساء أو الفتيات القصر، جريمة غطت عليها الأسرة المتجاهلة لحق ابنتها خوفا مما يسمونه العار أو النظرات الاجتماعية القاتلة، جريمة غطى عليها المجتمع الذكوري الذي يتجاهل أبسط حق للمرأة ويتهمها بأنها قد جنت على نفسها حين خالفت العادات والتقاليد الظالمة والبائدة وخالفت الشرع الذي لا يمتثلون منه سوى ما خيل إليهم أنه يدعم سيطرتهم  ذكوريتهم اللامبررة، جريمة غطى عليها القانون حين سمح للجناة بالنجاة من العقاب وحين استخف بالجريمة وسن قوانينا غير رادعة لمرتكبيها وعطل تطبيقها، ولم تكتفي الأسرة والمجتمع والقانون بذلك فقط، بل جعل الضحية متهمة أو مجرمة حين كيف جريمة اغتصابها ليحولها إلى زانية ومتخذة أسباب الاعتداء عليها.

تطورت الجريمة التي تواطأت أسر الضحايا بصمتهم والمجتمع بذكوريته والقانون بعدم جدوائيةأحكامه وجمود تنفيذها، لتتطور هذه الظاهرة وتشمل الفتيات القصر لا بل حتى الفتان القصر..وأدالطفولة وهي ما تزال في مهدها وإلحاق الأضرار في جسدها ونفسيتها التي راحت ضحية ذكر غرتهالنجاة من العقاب في كل مرة يفرغ شهوته التائهة غصبا وتجبرا وتهديدا في أرض لا تتسع له.

ولا أنسى دور منظمات المجتمع المدني التي كان من المفترض أن تكون وسيلة ضغط قوية في سبيل تحقيق العدالة للمغتصبات وعقاب المغتصبين عقوبة مشددة تردع كل من يهم بهذه الفعلة الشنيعة،بعض منظمات المجتمع المدني التي دقت ناقوس الخطر على هذه الظاهرة ،اكتفى روادها ورائداتها بمواكبة هذه الجريمة حين السماع بارتكابها ثم التظاهر وكتابة البيانات شديدة اللهجة تنديدا بهاو#الكفطة.

لا متابعة قانونية ولا مراجعة طبية مستمرة لإعادة تأهيل المغتصبات ودمجهم في الحياة الاجتماعية من جديد، كل يتغذى على مآسي الآخرين وأوجاعهم من أجل تحسين صورته لدى وسائل الإعلام المحلية والدولية.

وعلى مقولة نزار" تعب الكلام من الكلام" فقد تعب الحديث عن الاغتصاب من الحديث عن هذه الجريمة، التي بثت الرعب في سكان المدن التي تنتشر فيها بشكل كبير ويومي ملاحظ، ما عادت الأسر تشعر بالأمان ففي كل مكان تحدث هذه الاعتداءات المشينة وتحدث من قبل الجميعمسؤولين" يبره " وعامة، كما تمارس على الجميع إناثا وذكور، كبارا وقصر مع كثرتها مع القصر، الشيء الذي يخلف آثارا نفسية سلبية عليهم...ضياع لمستقبلهم الدراسي وحالة نفسية متأزمة مضطربة، شعور بالدونية والارتباك، وهلوسة ليلية مصحوبة بآلام جسدية، من يعزينا في أبنائنا ومن يرفع الظلم ويحقق العادلة.

كان عزاؤنا قليلا في القانون المناهض للعنف ضد النوع رغم ضحالة مواده وتفاهة العقوبات فيه على الجناة، إلا أن وسائل الإعلام " الموقرة " فتحت الباب على مصراعيه للقائلين بتعارضه مع الشريعة الإسلامية، مما جعله يصبح كرة طائرة لا إلى المصادقة ولا إلى الإلغاء..الشيء الذي يزيد من تفاقم الظاهرة وصعوبة القضاء عليها يوما بعد يوم.

القسم: