أنا لا أكتب لأفيد أحداً/ نسوبة مصطفى

لا أجدني كاتبة جيدة مطلقا، أعتبر قلمي ثقيلا ومتكلفا، لذلك أحتفظ أغلب الوقت بكتاباتي لي ولحظاتي الخاصة. لكن حين قرأت غرفة تخص المرء وحده لفرجينيا وولف، التي تلقي الضوء على تمكين المرأة في الحقل الأدبي، لا من واجب اجتماعي فقط بل تمكين يجعلها تشارك أفكارها ورؤيتها للعالم وتجاربها، وكل ذلك من خلال غرفتها التي تخصها وحدها، أدركت أن لدي ما يمكن أن أقوله وأشاركه.

وأنا إذ أقول ما لدي لا أسعى لإفادة الآخرين مطلقا، لا أسعى أن يخرجوا بحكم أو موعظة أو أشياء تساعدهم في الحياة، فهذا ليس دوري. الأدب ليس محاضرة عن مخاطر الهجرة ولا وصفة طبيب لمريض بالسعال، بل هو قدرتنا على أن نقول ما بقي متخفيا في ذواتنا بعد الأحاديث الطويلة والتجارب التي لم نعبرها سالمين.

الكتابة الذاتية التي أمارسها دائما تشبه الحديث بصوت مرتفع، الفضفضة لصديقة، للبحر، أمام قبر فقيد لنا، أو بحثا عن النجاة كي لا نظل عالقين في وحل الخواء الروحي. إنها طقس يمارسه من يزدحم بالقصص والحكايات وأصوات المارة والباعة ووجوه أصدقاء الطفولة، إنها ببساطة طريقة لنروي الحياة من زاويتنا، الزاوية التي من الطبيعي والبديهي ألا يتشاركها معنا كثيرون.

لذلك من المستحيل أن أصير ذات يوم كاتبة لها جمهور واسع، لأنني ببساطة لا أبحث عن الجمهور، بل أبحث عن الموءودة أرواحهم وأفكارهم، أولئك الصامتين خوفا من تهمة الاختلاف الناكرين لمواقفهم كي لا يُعاقَبوا على الإنكار، الباحثين عن مساحة تنصت دون أن تحاكمهم.

ربما يتعثر أحدهم ذات يوم بقصة أو رواية أو نص كتبته، ثم يبتسم بحزن أو بسخرية، كمن تذكر نفسه القديمة التي تركها خلفه منذ زمن ومن أجل كل ذلك قررت أن أكتب، وأن لا أترك تقييمي لحرفي يطغى على قدرتي على البوح، وعلى احتمالية الوصول إلى من يشبهونني في الصمت أو الوجع أو الحلم المؤجل.