النائب والرئيسان/ محمد فال ولد سيدي ميله

 

 

  •  
  •  
  •  
  •  

المشرّع هو من يسن القوانين ويرعاها. إنه يرمز للسلطة التشريعية بكل مضامينها. عندما يشرّع المشرّعُ جريمة تعاقبها قوانينه، فهو كمن يشرب الخمر ويجلد شاربيها، أو من يخضّب لحيته بالحناء ويقتل مواطنيه بالأدوية المزورة. تناقضات صارخة لا نسمع بها إلا في "بلاد السيبة". لا أحد يجهل أن الرق، وفق القوانين الموريتانية، أصبح جريمة ضد الإنسانية، وأنه لم يعد مجرد عمل غير أخلاقي. إنه جُرْم تدينه قوانين موريتانيا. إنه طامة تهدد كيان الدولة. إنه سفسطة تبرهن على الانحطاط الثقافي والسياسي. وبالتالي لم يعد يُغتفر لعجائز البداة الرُّحل، أحرى لنواب البرلمان المفترض فيهم أنهم حماة القانون ورعاة العدالة. لقد فاضت كاسات مفارقاتنا، وأسهبت، وأطنبت، فأفرطت!!.

لا عليه على كل حال، فلربما كانت كبوة. وهو، في النهاية، ليس إلا أحد أبناء "صناديق الاقتراع". إذن سنقفز من السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية حيث كثر الضجيج، مؤخرا، حول ما قيل لرئيس الجمهورية خلال احتجاجات نظمها نشطاء في أمريكا.

والحقيقة أن سبَّ الرؤساء، والتشويش عليهم، خلال جولاتهم، ليس خبرا، فهو أمر معروف في كل مكان وفي كل زمان. تارة يرميهم المحتجون بالبيض، وتارة يبصقون على وجوههم، وكثيرا ما أسمعوهم فاحش الكلام. لكن الخبر الحقيقي، كما يتصيده الإعلام الراكض خلف الإثارة، يكمن في نوعية ردة فعل الرئيس على مضايقات الشارع. هل سيحافظ على رزانته أم أنه سيفقد وقاره؟..

ذات مرة كنت في روصو، أنظر من بعيد مدى نجاح "البعض" في جرّ رئيس سابق إلى التشنج، عساه يرتكب حماقة بعد تعبئة عدد من المراهقين والأطفال على الصراخ في وجهه وشتمه على مقربة منه. كان موكبه يمر ببطء بين الجموع.. ردد المراهقون والأطفال: "صفر فلان، صفر فلان".. غضب الرئيس، فزادوا في الصراخ، فاشتد غضبه، ودخل في مشادة مباشِرة معهم.. كانوا يقولون "زيرو فلان"، فيقول الرئيس "زيرو انتومَه". ولما بالغوا في صراخهم بـ"أصفارهم"، خرج الرئيس عن صوابه وقال لهم بالحسانية: "يَحْرَكْ كذا امْن امّاتْكم"!!!. هذه الصبيانية البذيئة التي يعافها حتى أطفال الشارع أمام سينما الوازيس، تذكرتها وأنا أرى رئيس الجمهورية الحالي يتوقف بهدوء، ويستمع جيدا إلى ما يقوله شاتمه، ويركب سيارته صامتا، ثم يمضي إلى سبيله.

لست هنا لمحاكمة المحتجين في أمريكا، وليس لي أن أحدد لهم نوع الأساليب الاحتجاجية، فهم بالغون كلهم ومسؤولون عن تصرفاتهم، لكنني أكتفي، فقط، بالمقارنة بين رئيسين أظهرا، في ردة فعلهما، أنهما من معدنين مختلفين.