الفساد في بلادنا: آفة تنخر.. ومعضلة تتجذر /بقلم : الصحفية فاطمة السالمة محمد المصطفى
إذا كان البنك الدولي عرف الفساد بأنه شكل من أشكال خيانة الأمانة يرتكبها شخص أو منظمة يُعهد إليها بمركز سلطة؛ من أجل الحصول على مزايا غير مشروعة أو إساءة استخدام للسلطة لصالح الفرد.. فإن ظاهرة الفساد من هذا المنطلق تعد ظاهرة مستشرية في بلادنا؛ وتحمل في طياتها معوقات اقتصادية وثقافية واجتماعية.. تعمل مع الوقت على تقويض أركان المجتمع والدولة..
والقضاء على الظاهرة يتطلب الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه التعاطي مع أحد أوجه الفساد مهما كان.. وفي أي مجال.
وتأكد الأمر لو تعلق بالجهاز الإداري الذي جاء في الأصل لغرض جلب الرقي والتقدم.. لذا فإن أي انحراف له عن مساره الصحيح.. يسهم بشكل كبير في سقوط المجتمع وتقويض الدولة.
ما جعل الفساد ينخر كالسوس.. ومن تجلياته: الاختلاس، والرشوة.. وكذا لي أعناق القوانين، وخرق الدستور نهارا جهارا، وعلى مرأى ومسمع من الجميع.. ودون وخزة ضمير…
ليتصرف أولئك بصفتهم الرسمية لتحقيق مكاسب شخصية. بعيدا عن مبررات وجودهم في مناصبهم تلك.
وتبعا لذلك المعطى تتدنى الخدمات العمومية وتتراجع أدوار الشركات الخدمية.
إن البحث بقوة وجدية عن آليات من شأنها أن تعمل على القضاء على هذه الظاهرة يعد خطوة مهمة في سبيل بناء دولة عصرية.. ينعم فيها مواطنوها بقيم العدالة والإنصاف والمساواة في الفرص، وأمام القانون…
ولعل الضامن الأول لتمثل تلك القيم هو أن نعمل سويا على تجاوز معوقات تدعو في بعض الأحيان لتقويض المجتمعات..
والضرب بيد من حديد على كل من لم يقلع عن مسلكيات الفساد.. كل من موقعه.
فبذلك وحده يضمن المواطن حقوقه.. بطرق تصون كرامته.. وتشعره بسعادة الانتماء.. بعيدا عن مرارة الإقصاء والتهميش.
ولعل البيتان التاليان يمثلان ترجمة مسلكيات كثيرين داخل مجتمعنا..
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم ومن شــاء تـعويجـي فإنـي معوج
البيتان رسما بوضوح كيفية تعامل مفسدينا مع المحيط الذي يكتنفهم، ودرجة استعدادهم للتكيف تبعا للغايات وتناغما مع المقاصد..
وتماشيها بصدق مع ما توسوس به نفوس بعض من ساكنة هذا الركن القصي الذي من ضمن تسمياته بلاد السيبة.
إنهم قوم سريعو التكيف والتأقلم.. بارعو الانضباط والانسجام.. متفننون في الفوضى العارمة عند الاقتضاء ولحظة الضرورة.. فيلبسون لكل حالة لبوسها.. ويتخذون لكل غاية وسيلتها.. يراعون مشاعر المتنفذين والقيادات..
يستنطقون القسمات.. ويفكون شفرة الإشارات.. ويستوعبون العبارات.. فإن آنسوا منك رشدا وخيرا.. وجدتهم بررة مطواعين.. منسجمين انسجاما كليا ودون تكلف مع تعليماتك.. ومنصاعين دون ملل لرغباتك.. منفذين حرفيا أوامرك، وواقفين بحزم عند نواهيك..
وإن لمسوا منك غير ذلك…تأقلموا وتكيفوا مع زوابعك ورعودك.. ليأمنوا شرك.. ويضمنوا خيرك..
وفي أي طريق ملتو اخترت عبوره.. أو أي نفق مظلم فضلت سلكه؛ ومن أي مركز قيادي كنت… سيزاحمك سدنة الفساد… حتى يتملكك شعور قوي بأن في البلاد من هو أقدر منك على الفساد، وأدرى منك بمسالكه.