لقد انقذت نفسك يا سليمان !!، شذرات من سيرة اهم سلاطين بني عثمان / كتب ا.د كريم فرمان

عندما اتاحت لي الظروف فرص عديدة لزيارة بلدان اوربا الشرقية اندهشت لحجم الاثار والتراث الذي تركته الحقبة العثمانية في تلك البلدان، ففي بلغراد عاصمة صربيا حاليا ويوغسلافيا سابقا كان مرافقنا الرسمي يؤشر لنا إلى قلعة بلغراد الشامخة ومسجدها الكبير ليقول باسما هذه بقايا امجاد اجدادكم المسلمين. احياء باكملها واسوار، مساجد،حمامات، مباني ادارات وفي كوسوفو مدينة بريزرن الرائعة باكملها عثمانية على الطراز الاسلامي الى حد ان اشهر مهندسي السلطنة سنان المعمار شيد فيها مسجدا جميلا ومثله في تيرانا عاصمة البانيا ومدن اوربية عديدة مثل صوفيا وبودابست عاصمة المجر التي كانت من فتوحات هذا السلطان الفاتح حيث تقابلك في كل زوايا العاصمة النوافير والجسور والحمامات التي لم تكن اوربا تعرفها من قبل واضف الى ذلك انهم اول من ادخل القهوة الى تلك البلدان.
كما يقال اثارهم تدلنا على اخبارهم.
ذكرت لنا مصادر التاريخ بان السلطان العثماني سليمان القانوني رحمه الله يعتبر من اهم واتقى سلاطين الدولة العثمانية وأنه لما بلغه خبر استيلاء النمل على جذوع الأشجار في قصر “طوب قابي”، استشار العلماء، ثم ذهب بقدمه الى بيت المفتي شيخ الإسلام ابي السعود افندي ولما لم يجده كتب اليه أبياتًا يستفتيه فيها،
( اذا دب نمل على الشجر
فهل في قتله من ضرر ؟).
فأجابه بأبيات تؤكد إقامة العدل حتى مع النمل.
( اذا نصب ميزان العدل
اخذ النمل حقه بلا وجل ).
وكان دأبه – رحمه الله – ألا ينفذ أمرًا إلا بفتوى من أهل العلم.
وحين تُوفي أثناء سفره إلى فيينا، وُجد بجواره صندوق، فظن العلماء أنه مال، فلما فتحوه وجدوه مملوءًا بفتاوى العلماء التي استند إليها في حكمه، ليحتج بها يوم الحساب، فبكى المفتي أبو السعود قائلاً: لقد أنقذت نفسك يا سليمان, فاي سماء تظلنا، واي ارض تقلنا ان كنا مخطئين في فتاوينا!!!.
دام حكمه 47 عامًا، قاد خلالها 13 حملة عسكرية بنفسه، وفتح في عهده: صربيا، المجر، جنوب أوكرانيا، رومانيا، القوقاز، ووصلت جيوشه إلى قلب النمسا.
كما حُررت الجزائر وليبيا من الإسبان، والعراق من الصفويين، والبحرين واليمن وسواحل الخليج وخليج عدن من البرتغاليين.
و كان شاعرًا وخطاطًا بارعًا، كتب المصحف بيده ثماني مرات، وأتقن عدة لغات، ولُقب بـ سلطان المثقفين ومثقف السلاطين.
ولما مات، دقت أجراس الكنـ..ائس في أوروبا فرحًا، وقال المؤرخ الألماني “هالمر”:
“كان هذا السلطان أشد خطرًا علينا من صلاح الدين نفسه”. ومما روي عنه انه عندما احس بدنوا اجله اوصى عندما اموت اخرجوا يدي من التابوت لكي يرى الناس انه حتى السلطان سليمان القانوني خرج من هذه الدنيا الفانية بيد فارغة!!
هذه شذرات من سيرة اعظم واهم سلطان عثماني لعل فيها من الخبر ما يفيد ومن العبر ما نستقيد .
* كاتب واكاديمي من العراق