موريتانيا والهزات الارتدادية للحرب الروسية على أوكرانيا (ح2)

ذ. سيد احمد ابوه / خبير في استراتيجيات التنمية

الجزء الثاني/ وضعية المخزونات الموريتانية وآثار الحرب على الإمدادات
خلال سنة 2021 استوردت موريتانيا من عدة موردين من بينهم روسيا وأوكرانيا ما قيمته 250 مليون دولار من الحبوب (أساسا القمح والأرز) و 180 مليون دولار من زيوت الطهي و160 مليون دولار من السكر و112 مليون دولار من الفواكه والخضروات و90 مليون دولار من الحليب والحليب المجفف و50 مليون دولار من الأسمدة و 25 مليون دولار من الشاي إضافة طبعا إلى مليار دولار من البترول ومشتقاته.
لقد أسهم القرار الموفق في اكتوبر 2021 بإنشاء "مركزية الشراء وتموين السوق" في الاعتناء بالمخزون الاستراتيجي للبلاد من المواد الاستهلاكية الأساسية كما مكن تصنيف هذه المواد من طرف الحكومة كسلع استراتيجية السلطات من اتخاذ اجراءات رقابية، ولو أنها لا تزال تتسم بالمحدودية، لمكافحة الاحتكار والمضاربة في الأسعار  ولكن مجال تدخل "مركزية الشراء وتموين السوق" يقتصر -لحد الآن- على رفد البرامج الاجتماعية للحكومة بالمواد والسلع الأساسية وهي البرامج التي تتولى وكالة تآزر شقها المتعلق بالمواد المدعومة في حوانيت أمل وتتولى مفوضية الأمن الغذائي شقها المتعلق بالتوزيع وتتولى وزارة البيطرة شقها المتعلق بعلف الحيوان وتتولى وزارة الزراعة شقها المتعلق بالأسمدة والمدخلات الزراعية ويظل الجزء المهم من تموين السوق من مسؤولية القطاع الخاص وهو أمر طبيعي وينبغي أن يتعزز بعيدا عن التغول والتوافقات الاحتكارية المضرة بالقدرة الشرائية للمواطن والتي كانت سمة طاغية على سلوك بعض كبار الموردين من رجال أعمالنا.
تتوفر البلاد حاليا على مخزونات تغطي أربعة أشهر من القمح اللين بعد استلام شحنة من 78 ألف طن قبل شهر وترقب استلام 25 ألف طن قبل نهاية مارس الجاري وخمسة أشهر من السكر وشهرين من زيوت الطهي كما استلمت البلاد 35 ألف طن من الأسمدة من مُورد سعودي. طبعا تمكنت موريتانيا من تنويع مصادر التموين واتجهت إلى أمريكا اللاتينية بدل الشرق ما مكنها من اقتناء القمح من الأرجنتين والسكر من البرازيل واغواتيمالا ولا زال الزيت يقتنى من ماليزيا واندونيسيا والشاي من الصين ولكن خيار تنويع مصادر التموين هذا يطرح إشكالا سيتم تناوله في الجزء الثالث المخصص للتحديات. 
لقد أدت الحرب القائمة في أوكرانيا إلى ضغوط تضخمية حادة في أسواق المواد الاستهلاكية ذلك أنه لأول مرة تتلقى الأسواق العالمية وفي نفس الوقت صدمات في المواد الغدائية والنفط والغاز وسلاسل الإمداد وقد ظهر ذلك جليا في تطور سعر القمح الذي صعد من 296 دولار للطن في منتصف فبراير 2022 قبيل الحرب إلى 481 دولار للطن في منتصف مارس 2022 وكذا سعر السكر الأبيض الذي صعد من 500 دولار للطن إلى 658 دولار في نفس الفترة ولم يكن النفط استثناء فقد صعد سعر البرميل من 81 دولار قبيل الحرب إلى 130 دولار منتصف مارس الجاري قبل أن يستقر في حدود 119 دولار منذ أكثر من أسبوع. إن المتتبع لعمليات الشراء الموريتاني من السوق الدولي يلحظ زيادات معتبرة لسعر الطلبيات الموقعة في نهاية ديسمبر 2021 عن مستويات الأسعار في السوق العالمي خلال نفس الفترة وهي زيادة تراوحت بين 100 إلى 150 دولار في الطن لمادتي القمح والسكر وهذا عائد بتقديري لعاملين أولهما أن شروط التزود في الصفقات المذكورة كانت وفق "استلام انواكشوط CIF rendu Nouakchott وهو ما يضيف كلفة النقل وثانيهما وهو الأهم يتعلق بغياب المنافسة لانعقاد الصفقات وفق صيغة التراضي وهو ما ينبغي تجنبه مستقبلا وإن كان للاستعجال وقتها مبرراته ولكن لا شيء يمنعنا من إعلان مناقصات لطلبيات بتسليم سنة مقبلة فآليات السوق تسمح والأسعار وفق آلية العقود الآجلة أخفض منها وفق آلية العقود الآنية، إنها في النهاية أموال عامة ومن حقنا أن نطمئن على حسن تسييرها. 
لقد أدت الحرب لحد الآن بحكم الحساسية المفرطة للأسواق وانكماش العرض إثر عجز مئات السفن التجارية المشحونة بالسلع من مغادرة موانئ البحر الأسود وهستيريا الطلبيات الضخمة للعديد من الدول التي بدأت تكدس مخزونات هائلة تحسبا لطارئ غير مطمئن إلى اضطرابات جسيمة في سلاسل الإمداد العالمية وضغوط تضخمية عالية ويعكف حاليا خبراء صندوق النقد الدولي أسبوعين قبل اجتماعات الربيع للنقد الدولي والبنك العالمي على مراجعة توقعات النمو العالمي لسنة 2022 وكل المؤشرات تدل على أن النمو العالمي سيخسر نقطة كاملة ليستقر في حدود 3,3% بدل 4,4% المتوقعة سابقا حسب تحديثات يناير 2022 وهذا أثر هائل في حجمه لن تسلم من تداعياته المباشرة وغير المباشرة بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بما فيها موريتانيا وهو ما يستدعي من أهل القرار بالبلد التفكير في حلول مبتكرة قد يكون الشق المالي منها موضوع ورقة منفصلة.