لأني إمرأة.. احتقر ني !!

أمضى دانييل ثلاثة عقود يتنقل بين دول الشرق الأوسط ومنطقة الساحل الإفريقي. 
أعجب دانييل بذكاء الناشطة الحقوقية زبيدة أحمد، وحيويتها، في فندق مونوتيل بالعاصمة نواكشوط...
في أوقات الإستراحة ،جرى حواربين دانييل سوزا سانتياغو، و الناشطة زبيدة أحمد ،فتبادلا العناوين، وظلا يتراسلان بشأن أوضاع القرى الريفية التي تعيش ظروف إقتصادية صعبة خاصة في المناطق المحاذية لحدود مالي حيث النازحين من الحروب،والجماعات المسلحة ...
ذات يوم دعت الناشطة زبيدة أحمد زميلها دانييل سوزا سانتياغو الى قضاء عطلة الأسبوع معها في قرية الفردوس الوديعة ...

بعد أسابيع قبل دانييل سوزا سانتياغو الدعوة الكريمة من الناشطة زبيدة أحمد...استغلا سيارة رباعية الدفع، دامت الرحلة ست ساعات كانت كافية لوصول القرية قبل غروب الشمس. 
طول الفترة التي أمضاها دانييل في مخيمات اللاجئين أصبح يتكيف مع أذواقهم ويشرب مشروباتهم ،توالت الوجبات ،وجبة تلو الأخرى، مشوي و تمور ، وأورديف، وكسكس، وفواكه، وحديث ذو شجون مع الوالدين ،ومداعبة الصغار، دانييل يتكلم اللهجات المحلية بطلاقة،أينما حل، يكون من القوم !
ولما أرخى الليل سدوله، وبدأت الأنجم ترسل أشعتها الى الأرض، وهدأت الأصوات، جهزت زبيدة أحمد، خيمة غير بعيدة من منزل أهلها لينام فيها وحده، وكلبه زيكو،باسط ذراعيه، و عينيه الحمروين ، رادارات تحصن المكان من كل خطر ...
رصاصات الفرح..
في وقت المناجاة، استيقظ دانييل بأزيج رافال من الرصاص يشق سماء قرية الفردوس، بدأ جسمه يقشعر ،حيناً ،وينبض قلبه أكثر فأكثر، أحياناً أخرى، وبينما، هو يتنقل بين أطراف الخيمة، حبواً،ولا شيء ينقذ من الخطر! جاءت زبيدة تخطو بإستحياء ونادته قائلة :
دانييل نم قرير العين، لا خطر هنا، ولا جماعات مسلحة، ولا تنظيمات إرهابية، ولا قصف على المخيمات، هذه رصاصات الفرح، بنت عمي ليلى أنجبت غلاماً !،لا شيء يدعو للقلق...
دانييل يخاطب زبيدة قبل عودتها الى منزل أهلها:
a bon ! c'est une abitide...
زبيدة.. oui ..،تصبح على خير..
نام دانييل سوزا سانتياغو ، لم توقظه اصوات الحيوانات ولا لهيب الشمس، في ضحى النهار، واصل الشخير، وكلبه باسط ذراعيه عن جنبه حتى التاسعة، قام واستحم، واستاك، وعاد حيث نزل...
كان اليوم، كما في الليل مسلسل من الوجبات،والجو الصحو، وخلف منزل أهل زبيدة، تلال ناعمة، على شكل أهلة، سميكة، تنحدر الى الهبوط تارة، وتارة أخرى الى العلو...
سأل دانييل، زبيدة :بالإمكان أن نصعد على هذا التل؟
زبيدة: نعم دانييل، هنا ليس مالي، ولا العراق، ولا الصومال، ولا ليبيا ،ولا سوريا، بإمكانك التجول حيثما شئت، في الأدغال، والصحاري، ولكن...
دانييل:ولكن، ماذا؟ 
زبيدة: لكن...المشكلة الوحيدة هنا، هي هيمنة المجتمع الذكوري على كل مجريات الأحداث...
دانييل: ههه، هذا سيكون حديث العودة...زبيدة انتظروني،سأستلقي فوق هذه الرمال الناعمة، الجميلة، بلونها الذهبي اللامع...
صعد دانييل سوزا سانتياغو تل "لموبر" واستلقى على قفاه، ثم تدحرج عن يمين ويسار، يقفز حيناًمن فوق التل، الى السفح، ثم يصعد الى الأعلى، وفي بعض الأحيان يلبس الرمال، ولم يبق إلا وجهه، ومضى نصف ساعة، ثم عاد منزل أهل زبيدة،مرتاح البال،تسابق أفراد الأسرة يسألونه، دانييل ،رأيناك تلبس الرمال، الساخنة، وتتدحرج من أعلى التل، أرضكم لا توجد بها تلال؟ 
دانييل، أنتم أبطال، وأسعد منا...باي، باي، زبيدا، هيا ،الوقت إنتهى...سأعود إليكم مرة أخرى حالما نجد فرصة ..
في طريق العودة..
استغل دانييل سوزا سانتياغو، طول المسافة بين قرية الفردوس والعاصمة ،مستفسرا الناشطة زبيدة أحمد عن رصاصات الفرح، لماذا لا تطلق عند إنجاب الأمهات للفتيات؟ 
زبيدة: السر في ذلك، يعود لأزمنة غابرة، في العصور القديمة كانوايحتفلون عندما ترزق إحداهن بغلام، ويقيمون الولائم، لأن الولد الذكر سيدافع عن القبيلة ،وقد يكون شاعراً يجمع المهمتين، الدفاع بالسيف والدفاع باللسان، لذا الشاعر له قيمة إجتماعية كبيرة، فهوى يحط من القبيلة، ويرفع منها في نفس الوقت..
المسألة الثانية عزيزي أن مجتمعاتنا تخاف من تدنيس الأسرة، وبالتالي تخشى من أن تلوث البنات شرفها، فكانوا يرمونهن في الآبار، وفي البحار، ويقتلونهن،لذا من أجل الشرف أبغض المجتمع المرأة، واحتقرها...
دانييل: ولكن هذا عصر النهضة !؟ 
زبيدة: الدين الإسلامي، حرم قتل النفس بغير حق، كما حرم وأد البنات ،و أشرك المرأة في الميراث، وأعطاها حقوقها...
دانييل: سيدتي العزيزة، كيف يحرم الإسلام قتل النفس بغير حق، وفي نفس الوقت يقوم بعضكم بعمليات إرهابية، في بلاده، وفي الغرب، تتذكرين تفجيرات 11من سبتمبر، وقطارات لندن، وتفجيرات باريس وكوبنهيغن...
صديقي دانييل: أولئك التكفيريون منحرفون وفق ما سمعت من العارفين بالإسلام ،ووفق أهل الإختصاص،من جهة أخرى أعتقد أن القاعدة، وداعش من صنعكم بعد الحرب الباردة، وبالتالي فقدتم السيطرة عليها، فانقلب السحر على الساحر،وعلية فقد أصبح الإرهاب خطرا على دول العالم خاصة الدول الإسلامية ،كما أن الإنحراف والتشدد في كل الديانات والمذاهب والطرق،والغالبية العظمى من الناس تميل الى الإستقامة، وتسعى الى الخير، والوحدة والتعايش السلمي...
دانييل: عزيزتي زبيدة، لم أستوعب إطلاق النار عندما تنجب المرأة غلاماً؟
زبيدة:الرجال ظلوا ينظرون الى المرأة نظرة دونية، يحتفلون بالغلمان، ويصدمون بالفتيات، كما يتركون الأولاد يذهبون حيث يشاؤون، ويكبلون المرأة بسلاسل من الأغلال، نحن نقول: المرأة من بيتها الى قبرها!! 
دانييل، هههه،من بيتها الى قبرها، savedire cois !? 
زبيدة: يعني أنها يجب أن تظل في بيت أهلها، لا تذهب، ولا تطمح لشيء، حتى ترحل عن عالم الأحياء، خوفاًمن العار، قد تتزوج، وقد لا ..
دانييل..الفتاة تتزوج حسب رغبتها عندكم؟
زبيدة: لا ،لا إطلاقا، يزوجها أهلها لمن شاؤوا، لا تسأل 
دانييل: .
...comment!? 
زبيدة:هههه، عزيزي دانييل، هل تعلم بأنه يمكن للأهل أن يزوجوا ذات العقد الواحد، لشخص أكبر من والديها، خاصة شيوخ الكتاتيب...
دانييل: تقتلون حياة بناتكم في المهد!!..
زبيدة: هذا قليل من كثير...
دانييل: طيب، قرأت في صحيفة الإندبندنت أن جرائم الشرف كثيرة ،في الدول العربية قتل الفتيات، وإختطافهن ،دون إنزال عقوبة بحق الجناة!! 
،زبيدة مجتمعكم مازال بعيدا عن التقدم،يقول دانييل ...
زبيدة أحمد: هذا ما أردت الإشارة إليه، لذا أرجو أن تساعدنا منظمتكم الخيرية من أجل أن تنال المرأة حقوقها...
دانييل: المرأة لها كافة الحقوق، لها الحرية المطلقة ،تذهب الى الملاهي الليلية، ودور القيان، وتذهب في السياحة، لا الآباء بإستطاعتهم أن يسألوا عنها، ولا الأبناء..
زبيدة أحمد: نعم أنا زرت لندن وباريس وروما ومدريد في عدة ملتقيات، لقد ،لقد أدهشتني ، حرية المرأة هنا، وهذا ما دفعني أن أبحث عن يد المساعدة من أجل النهوض بمجتمعاتنا، يا دانييل ..
دانييل، نعم، أنت شخص مهم ،يمكن مساعدتك في توصيل أفكارك النيرة، للملايين. 
زبيدة: دانييل ماذا تقرأ؟ 
دانييل : هذه نسخة من الإنجيل، زبيدة: ناولني إياها، دانييل، هذه النسخة بالإنجليزية، زبيدة أحمد: أنا أتحدث ثلاث لغات العربية والفرنسية والإنجليزية، دانييل، سأعطيك نسخاًمن الإنجيل مكتوبة بالفرنسية، وسأدعمكم ،لا يمكن أن تبقوا هكذا..
زبيدة : شكرا دانييل
تعارف..
...توقف، توقف، أرجع الى الخلف، المرأة التي تقود الحمار، كانت تدرس معي في مدينة بوغى المطلة على نهر السنغال...
زبيدة: هولي السلام عليكم: توقف هولي الحمار عدة أمتار من الطريق، وتحملق بصرها في زبيدة، وتصيح: يل بوني، زبيد،لا إله إلا الله، إنديسان!! 
زبيدة: الى أين تتجهون؟
هولي : نحن واعد هيوان تقول هولي، 
زبيدة: خذي رقمي ،سأتصل بك...وهذه أفراح الأطفال...
عشرة آلاف أوقية، مسك، وملابس، وألعاب أطفال، وصابون..
هولي: تبكي، إنديسان...merci beaucoup..
زبيدة: عندما تصلي للعاصمة اتصلي بي..
هولي: إن شاء الله...merci ،لقد أمضينا أوقاتا لا تنسى في إعدادية بوغى ..
دانييل..عزيزتي، الرجل يركب والمرأة تقود!؟؟ 
زبيدة: هذا من احتقار المجتمع الذكوري للمرأة، وهل تعلم أنها يمكن أن تقطع عشرات الكيلومترات سيرا على الاقدام، وهو على ظهر الدابة، وأنهم يضربوننا بالعصي والسياط في حالة رفضنا، أو عجزنا...
في المجتمعات الزنجية تعاني المرأة الأمرين أيضا، ثمة قواسم مشتركة بين واقع المرأة في المجتمعات العربية، وواقعها في المجتمعات الزنجية...

وصل دانييل، الى العاصمة الساعة التاسعة والنصف مساء، وحط زبيدة بحي الفلوجة الشعبي، قبل أن يصل الى مقر سكنه في حي السفارات الراقي بسكوجيم تفرغ زينة...
في حدود السادسة فجرا، فتحت زبيدة أحمد هاتفها، فإذا رسالة عبر الإيميل..
يوم سعيد، السيدة زبيدة أحمد، يطيب لي أن أخبرك بدعم مالي قدره، 11000ألفا دولار، بإمكانكم تحديد مكان تحويل الأموال...أصبح بإمكانكن، إقامة حفلات على غرار حفلات الشباب في الملاهي الليلية في لندن وامستيردام وروما...ومن المهم أن نشاهد تلك الأنشطة الرائعة مصورة،حتى ندعمكم أكثر...أخوك دانييل سوزا سانتياغو من منظمة كاريتاس. 
كاد قلب زبيدة أحمد أن يتطاير لشدة الفرح،ذهبت زبيدة مبكرا، وحددت للناشط دانييل نقطة تحويل الأموال، لم تستغرق كثيرا من الوقت، ثم راسلها بأميل آخر، لقد حولت المبلغ، تحياتي ...
استلمت زبيدة أحمد المبلغ، ووضعته في حساب منظمتها، ثم نادت أعز صديقاتها، وأكثرهن تحررا، وأقامت لهن مأدبة عشاء فاخر، رقص وغناء و خريطة طريق لإنطلاقة الأنشطة...
أنشطة..
لم تجد زبيدة أحمد عناء في غرس أفكارها الثورية الناقمة على عادات وسلوك المجتمع، فكل صويحباتها زبيدات !! 
وصلت هولي آلصان الى نواكشوط واتصلت بزبيدة...علو، علو، مرحبا زبيدة، نعم، تكلم ياهذا... لم تعرفيني، لا للأسف : هولي: أنا هولي طلبت مني الإتصال بك حالما أصل العاصمة، زبيدة: وخيرت، وينك، هولي أنا قبالة فندق شنقيط عند العيادة المجمعة، زبيدة إني قادمة إليك حالاً،نزلت أهلا وحللت سهلاً...
الإحتراف والقطيعة مع الماضي 
جاءت زبيدة برفيقة حياتها أيام الدراسة هولي آلصان، أدخلتها الحمام أولاً،وألبستها أغلى الثياب، وزينتها حتى صارت ملكة جمال، وزرعت في نفسها أفكارها التحررية، حتى أصبحت من أكثر النادي تحرراً..
استأجرت زبيدة فيلا فاخرة، وجعلتها ملتقى العشاق، والإرشاد ...ثم فتحت صفحة على الفيس بوك، تروج لأفكارها ولقيت تجاوبا واسعا من التيار العلماني، وغيره من التيارات الليبرالية .
خلدت سيدات زبيدة وكثير من الرجال والنساء من مختلف الأعمار ، الخامس عشر من أغسطس، ووجهن دعوة للسيد دانييل سوزا سانتياغو، وشخصيات من السلك الدبلوماسي المعتمد وممثلو الجاليات الأجنبية هناك بملهى Racincleub في نواكشوط، المفارقة أن زوجات الدبلوماسيين الأجانب من الجنوب والشمال أكثر احتشاماً،من زبيدة وزميلاتها، رؤوس سافرة، ولباس مشققة،قصيرة ضيقة، وصدور شبه عارية ...، سيجارة ومشروبات كحولية، وموسيقى ورقص ،لا تخلوان من إيحاءات جنسية،ووجبات من أذواق شتى،تخللها لحوم تحرمها الملة ..!
استمر الحفل حتى الثالثة صباحا، وقبل المغادرة، جئن الى دانييل تتقدمهن زبيدة، دانييل هذا هو فريقي، دانييل: شكرا، incroyable ، واصلن، سندعمكم أكثر، كلما تشعبت الشبكة داخل المحافظات الأخرى ...
في بحر الأسبوع الموالي ، نشر حارس مقر منظمة كاريتاس صورا على صفحته من فريق زبيدة يرتلن الإنجيل، ويوقمن شعائر مسيحية ،بينما تداول نشطاء صورا مثيرة من فلم إباحي لسيدات أخريات من فريق زبيدة...
إنتشر الخبر في المجتمع إنتشار النار في الهشيم، وأقفت الشرطة أبطال الفيلم، وأعلن عن سلسلة إعتقالات في أوكار الرذيلة .
سمعت زبيدة أحمد طارقا يطرق الباب، حسبته الشرطة ،تداعت، أنين ودموع، تدخل العميدة مريم مسؤولة الأتصال، زبيدة مالك، لن يفعلوها بنا، لن نرضخ .. لا تخافي، قومي اجلسي، اشربي، خذي سيجارة الإنسان يفعل مايحلو له...
جلست زبيدة، وعانقت مريم عثمان،احتسن ريشفات من ووسكي ، الممزوج باللبن ، وعادت كأن لم يكن بها وجع!! سنواصل عملنا، الآن نحن نعيش حياة أفضل، ولا داعي للقلق، سنواصل مسطرة الأنشطة في أعياد الميلاد،وبينما كانت زبيدة تودع القلق، تلقت رسالة من دانييل..عزيزتي لك أن تختاري خمسة نسوة للمشاركة في ملتقى تكويني الأربعاء المقبل .
زبيدة: ملتقى ؟ ،آه.. ياللهول ...
زبيدة أحمد: لك منا جزيل الشكر والتقدير، سنجتمع الليلة ونحدد ممثلات المنظمة عن طريق القرعة،الملتقى في الداخل أم الخارج؟..
دانييل: فكرة سليمة، القرعة مهمة في مثل هكذا نشاطات حتى لا يقع خلاف في الفريق،الملتقى في بوردو ...
بعد عودة فريق زبيدة من فرنسا، تناقل نشطاء صورا مثيرة من فلم إباحي تحت عنوان "بريق الحرية " ،في نفس الوقت تأثرت خديجة موسى إحدى الناشطات من بيان قدمته سيدة باكستانية من جماعة الدعوة والتبليغ بمنسابة مؤتمر رأس السنة بجامع التوبة في نواكشوط ،وقتها كانت تتسوق ،وتستعرض بضاعتها، ملابس ودهون وأكسيسويرات ...
كتبت خديجة موسى جملة قصيرة في مجموعة بريق الحرية..سيداتي نستسمح منكن، قضيت معكم فترة تعد حلقة ضائعة من حياتي، وداعا...لقد تبت الى الله، وعدت الى رشدي، اللهم أغفر لي ماتقدم، وتأخر...لقد ضاع كثير من أوقاتي في بضاعة الشيطان...غفرانك يارب...اللهم أغفر لي ذنبي، وتقبل توبتي إنك غفور رحيم...
مريم ...سمعتم ماقالت خديجة، زبيدة ليس مهما، أتركوها وشأنها، لا تخضن كثيرا في إنسحابها، لقد إنضمت إلينا هولي آلصان وهي ناشطة قوية، ستوسع الشبكة في منطقة النهر وآدوابة، فهي تتكلم اللغات الوطنية بسلاسة...
طلاق هولي ..
عادت هولي آلصان الى البادية، أكواخ من الحشيش، حياة صعبة، مياه البرك، غذاء لايمكن للحيوان أن يستسيغه،حصائر من البلاستيك، والحشيش، ومخدات من الجلود...
لم تذهب هولي آلصان الى البقر، كعادتها، ولم تحلب بقرة واحدة، ولم توقد النار..
مضت ثلاثة أيام توالياًّ،مكفهرة، عبوسة، لاتشرب إلا كيسا من المياه المعدنية...
في اليوم الرابع، أمرها زوجها جبريل صو، أن تحلب البقر، لم تفعل كعادتها، ولم تعره اهتماما... فأمرها مرة أخرى، فقالت له، ذلك زمن قد ولى...أخذ بيديها، وكبلها وعلقها، في الأعلى ،فبدأ يضربها على المؤخرة والأكتاف والأطراف والرجلين، حتى كادت أن تموت، ولولا شفقة أخاه الأكبر لقطعها إرباً إرباً...
فك أسرها، وأخذ شيخ القرية، يعالجها ويحملها المسؤولية...ظلت طول اليوم من سكرة الى أخرى، مما اضطرهم الى حملها لمشفى بوغى، بالصدفة وجدت زبيدة وفريقها في قافلة صحية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، قمن معها حتى تحسنت وضعيتها الصحية، فأخبرتهن الخبر، ومن ضمن فريق نساء مرشدات، سيدات من منظمة النساء المعيلات الأسر، فسافرن معها في موكب صحبة محامي الى قريتها لإستدعاء زوج هولي آلصان جبريل صو، الذي تكفل بعلاجها، وفرضت عليه الفراق، وأصبحت حرة طليقة، تدير مكتب بريق الحرية في بوغى، وتذهب الى الخارج في الملتقيات والمؤتمرات الدولية. 
انتحار زينب..
بعد خمسة أشهر عاد دانييل رفقة زبيدة في بحر الصيف الى قرية الفردوس، ولما ادلهم الليل، وخفتت الأصوات، عقد قران زينب مختار أم الثانية عشر عاما مع ابن عمها بلال الحسن وهو في عقده الخامس، زينب تبكي، وتتأوه، وتناديها أمها فاطمة بنيتي مالك، لقد فزت، لا تتأثري بما يقوله حسادك، الفتاة السعيدة تتزوج في عقدها الأول، لاتبالي بما يقوله الآخرين، إنهم يحسدونك...
زينب..ماما أنا، أنا لا أريد الزواج، أريد أن أبقى حرة، سأواصل دراستي كي أغير من حياتكم...ماما نحن في زمن الخيار للبنت، وليس للآباء ،كما عشتم، أنتم في عصر الظلمات...
ماما..بنيتي زينب إذا كنت تريدين الجنة، تقبلي، مافعله والدك ورجالات القرية، لا تفضحيننا...
ضربت الدفوف، وأوقدت النيران، وبدأت الزغاريد والغناء...حيوا أهل العريس، هوم أهل لعريس وينهوم...كالولكم عنهم ذهوم تنشد فرقة إمباركة وعمار، وباتت الموسيقى حتى الرابعة فجرا...
دانييل: زبيدة هذا الطبل، بأية مناسبة؟
زبيدة: هذه مناسبة إجتماعية، أي عرس، على النمط التقليدي...
دانييل..شنهو معنى النمط التقليدي؟
زبيدة: أي أن الفتاة لا تسأل...ويعقدها وليها لمن يريد الزواج بها...
دانييل، نم...لقد جئت متأخرا، سأواصل الحديث عن عاداتنا وتقاليدنا غدا...
في الصباح الباكر، استيقظت زينب وانطلقت مسرعة الى بئر القرية ،تتمتم ،والدمع على خديها، ...
لأني إمرأة احتقروني...لن نقبل الزواج بشيخ أشمط، ولن أضيع مستقبلي...
هذا هو آخر يوم لي ،في قرية الفردوس ...
عند البئر تراءاى رجل وسيدات زينب قادمة، رأي الهلال، هذه العروس، ماذا تريد، العروس تريد ماء، ماسمعنا بهذا!!...فجأة تأتي زينب وتجعل رأسها أسفل قدميها في قاع البئر...
فقامت قائمة الحي، وتحول العرس الى مأتم، عندها استيقظ دانييل بفعل نواح أهالي القرية...
بعيد الصدمة، وأيام التواصل، إجتمع أعيان القرية، وأجمعوا على عدم تزويج الفتيات القصر، ومنحهن حرية إختيار الزوج بصفة أبدية...
فجر ليل الإثنين، وقعت إعتقالات في صفوف ،بريق الحرية، بينما هاجرت هولي آلصان الى باريس، وأصبحت سفيرة لمنظمة اليونسكو في القرن الإفريقي تهتم بضحايا الإغتصاب والعمل على ادماجهم في الوسط الإجتماعي...
تخرج زبيدة ومريم بحرية مؤقتة، في اليوم الموالي، توجهن الى المقهى التونسي بالعاصمة نواكشوط...جلسن الى جانب شاب ملتحي، مثقف،وهو مهندس زراعي ...يأكل صاندويش، ثم يفتح هاتفه، ويبعث برسائل صوتية مع إحدى المجموعات الساخنة اكروب برشلونة...استمع الى حديث زبيدة أحمد ومريم موسى وكله هجوم لاذع على الرجال بإعتبار أنهم يحتقرون النساء في بلاد المليون شاعر...
تكفل الشاب بدفع رسوم المقهى، دجاج مقلي، ومشروبات غازية، ودار بينهم حوارا مطولاً...
سيداتي..لم التق بكن قبل اليوم، ولكن المرأة في بلاد المنارة والرباط، ليست بتلك الصورة السوداء التي ترون...ألم تكن لها الكلمة في المنزل، ألم تدرس مع الرجال، ألم تحصل على كافة الحقوق والواجبات، ألم تتقلد جميع المناصب السياسية والإدارية، ألم يوجد من بينهن سيدات أعمال، وزراء، ولاة، مدراء....ماذا تريدون للمرأة: السفور!!؟؟؟ 
لقد أثبتت الدراسات العلمية أن المرأة المحجبة أقل عرضة للأمراض الجلدية عن غيرها، وأنها أيضا أقل عرضة لجرائم الإغتصاب وعليه فالمتبرجات أكثر عرضة لإفتراس الثعالب، زيادة على ذلك، ألم تجد المرأة نصيبها من الميراث، ويحرم قتلها بغير حق؟؟؟ 
سيداتي..عدن الى رشدكن، ولاتغرنكم الدعاية الغربية...باي باي، لدي موعد...
زبيدة...أستاذ أنت متزمت، مريم: ههه، هو من داعش...
زبيدة: لقد تأثر كثير من السيدات بمثل هذه الخطابات، ولكن...سنظل نكافح، وندافع عن مطالبنا، العالم أصبح قرية واحدة، والوسائل متاحة....سنتحرر أكثر، حتى يكون الطلاق بأيدينا...